الكلمة

يونان (PDF) PDF

يونان



ما بين عبديا وملاخي، يوجد فيما يسمى بالـ "أنبياء الصغار" بالعهد القديم، ذلك السفر الصغير - والمليء بالتعاليم - سفر يونان. وأود اليوم أن ألقي نظرة على هذا السفر.

1. "وَصَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ..."

يونان 1: 1- 3
"وَصَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ قَائِلاً: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي». فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ، فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا، لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ."

نادى الرب يونان وأعطاه مهمة محددة، وهي أن يذهب إلى نينوى وينادي عليها، إلا أنه بمجرد أن سمع هذا، ذهب في الاتجاه المعاكس إلى ترشيش، ثم نجده لاحقاً في الإصحاح الرابع مبرراً تصرفه كما يلي:

يونان 4: 2
"وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ [بعدما رأى أن الله لن يدمر نينوى] وَقَالَ: «آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذلِكَ بَادَرْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ."

على الرغم من معرفة يونان بإرادة الله، إلا أنه لم يقم بها لأنه لم يؤمن بأن الله سيدمر نينوى في النهاية، فذهب في الطريق المعاكس. وكما فعل يونان، كذلك نفعل نحن أيضاً في الكثير من الأوقات: فعندما لا تتفق إرادة الله مع منطقنا وعقلنا وخططنا، نرفض تنفيذها، وفي الحقيقة قد نُحَمِّل الله مسؤولية هذا وقد نقول: "كل شيء كان من الممكن أن يكون جيداً إن كان الله قد أعطاني هذا أو لو كان قد صنع لي هذا أو لو لم يكن قد رفض هذا." ودائماً ما نقول: "الله هو من أخطأ وليس أنا".

فرحل يونان وذهب إلى يافا، وهناك بعدما وجد سفينة صعد على متنها ليذهب إلى ترشيش. نفس الشيء يحدث معنا: فعندما لا نحب ما يقوله الله نخرج خططنا البديلة، السفن التي قد تأخذنا إلى ما نعتقد أنه أرض الموعد، ولكن ...

2. "4فَأَرْسَلَ الرَّبُّ..."

وهنا نجد يونان في وسط البحر متجهاً نحو ترشيش، إلا أن هذا الأمر لم يستمر طويلاً:

يونان 1: 4- 6
"فَأَرْسَلَ الرَّبُّ رِيحًا شَدِيدَةً إِلَى الْبَحْرِ، فَحَدَثَ نَوْءٌ عَظِيمٌ فِي الْبَحْرِ حَتَّى كَادَتِ السَّفِينَةُ تَنْكَسِرُ. فَخَافَ الْمَلاَّحُونَ وَصَرَخُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلهِهِ، وَطَرَحُوا الأَمْتِعَةَ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ إِلَى الْبَحْرِ لِيُخَفِّفُوا عَنْهُمْ. وَأَمَّا يُونَانُ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى جَوْفِ السَّفِينَةِ وَاضْطَجَعَ وَنَامَ نَوْمًا ثَقِيلاً. فَجَاءَ إِلَيْهِ رَئِيسُ النُّوتِيَّةِ وَقَالَ لَهُ: «مَا لَكَ نَائِمًا؟ قُمِ اصْرُخْ إِلَى إِلهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ الإِلهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ»."

كان الرب هو من أرسل الرياح الشديدة على البحر، فإن كنت متجهاً إلى ترشيش، ضع في حسبانك أن الرياح آتية. وكما سنرى، فالله لم يجلب الرياح لمعاقبة يونان، بل ليرجعه، الله لا يكون غير مكترث عندما نأخذ الطريق الخاطيء، بل إنه يصححنا على الرغم من أن تصحيحه قد يعني وجود الرياح الشديدة. على الرغم من حقيقة هياج البحر، ذهب صديقنا إلى جوف السفينة ونام، روحياً ثم جسدياً. كان الملاحون يصلون لآلهتهم، أما يونان، نبي الله كان نائماً! ولكن القبطان لم يوافق على هذا السلوك، "قم يا رجل! جميع الرجال مستيقظون يصلون وأنت نائم؟ قم وصل أنت أيضاً". ومع ذلك، فعلى الرغم من أن الجميع كانوا يصلون، إلا أن الموقف لم يبدو أنه يتحسن، ثم:

يونان 1: 7
"وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَلُمَّ نُلْقِي قُرَعًا لِنَعْرِفَ بِسَبَبِ مَنْ هذِهِ الْبَلِيَّةُ». فَأَلْقَوا قُرَعًا، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونَانَ."

ما بدأه يونان كمجرد رحلة، كان على وشك أن ينتهي ككارثة حقيقية. في البداية هبت الرياح والآن القرعة، وجعل الله القرعة تقع على صديقنا، لا يمكنك أن تتوقع رحلات جميلة وهادئة وأنت سائر بعيداً عن إرادة الله. لا تقدر أن تنام آمناً في جوف السفينة وأنت تجري في الاتجاه المعاكس عن المكان الذي يريدك الله أن تكون فيه، ستهب الرياح، وسيأتي العالم - الملاحون - لإيقاظك. كما تقول الكلمة في كورنثوس الأولى 11: 31 - 32 "لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ."

إذاً فقد وقعت القرعة على يونان، وانقض عليه أيضاً هؤلاء الملاحون الذين كانوا يعانون كثيراً.

يونان 1: 8 - 12
"فَقَالُوا لَهُ: «أَخْبِرْنَا بِسَبَبِ مَنْ هذِهِ الْمُصِيبَةُ عَلَيْنَا؟ مَا هُوَ عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ مَا هِيَ أَرْضُكَ؟ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا عِبْرَانِيٌّ، وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ الرَّبِّ إِلهِ السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ». فَخَافَ الرِّجَالُ خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا فَعَلْتَ هذَا؟» فَإِنَّ الرِّجَالَ عَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ. فَقَالُوا لَهُ: «مَاذَا نَصْنَعُ بِكَ لِيَسْكُنَ الْبَحْرُ عَنَّا؟» لأَنَّ الْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ اضْطِرَابًا. فَقَالَ لَهُمْ: «خُذُونِي وَاطْرَحُونِي فِي الْبَحْرِ فَيَسْكُنَ الْبَحْرُ عَنْكُمْ، لأَنَّنِي عَالِمٌ أَنَّهُ بِسَبَبِي هذَا النَّوْءُ الْعَظِيمُ عَلَيْكُمْ»."

" لأَنَّنِي عَالِمٌ أَنَّهُ بِسَبَبِي هذَا النَّوْءُ الْعَظِيمُ"، أخيراً اعترف يونان وتحمل مسؤولية ما حدث وكأنه يقول: "أنا سبب هذه المشكلة" وهذه هي أول وأهم خطوة. فعندما تجري عكس إرادة الله وتهب رياح، اخفض رأسك وتحمل مسؤولياتك. ليس الله أو إرادته هي المشكلة، ليس هو الطقس أو سوء حظك، بل الوحيد المسؤول عن هذا هو عصيانك، اعترف يونان وقال "أنا آسف، أنا المسؤول، اطرحوني في البحر فيسكت البحر عنكم" فلم يعد مختبئاً في جوف السفينة بل فعل ما كان عليه فعله منذ البداية ، وتحمل المسؤولية. أثر عصيان يونان على الكثيرين، فكان كل هؤلاء الملاحين ضحية عصيانه، وبالمثل، قد يؤثر عصياننا على الكثيرين من حولنا، وقد يكون على الآخرين أيضاً أن يحاربوا ضد التيارات التي خُلِقت بسبب عصياننا، فلنطلب غفرانهم ولنتحمل مسؤوليتن.

إذاً، اعترف صديقنا بخطأه، ولم يطرحه الملاحون إلى البحر على الفور بل حاولوا الوصول إلى البر ولكن بلا فائدة، ثم وبعد أن صلوا إلى الرب، طرحوه في النهاية إلى البحر.

يونان 1: 13- 16
"وَلكِنَّ الرِّجَالَ جَذَفُوا لِيُرَجِّعُوا السَّفِينَةَ إِلَى الْبَرِّ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، لأَنَّ الْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ اضْطِرَابًا عَلَيْهِمْ. فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ وَقَالُوا: «آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هذَا الرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَمًا بَرِيئًا، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ». ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ وَطَرَحُوهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَقَفَ الْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ. فَخَافَ الرِّجَالُ مِنَ الرَّبِّ خَوْفًا عَظِيمًا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ وَنَذَرُوا نُذُورًا."

من كان يتوقع ذلك؟ كانت الشمس مشرقة على الأغلب عندما رحل يونان عن يافا، وكان من المقدر لها أن تكون رحلة رائعة إلى ترشيش، بالقدر الكافي له حتى لا يذهب إلى نينوى، من كان يتوقع أن الحال سينتهي بصديقنا وحيداً وسط البحر؟ ولكن بمجرد أن القي يونان في البحر، أوقف الله الرياح على الفور وبدأ في خطة إنقاذه. قد تكون الرياح الناتجة عن عصيانك قوية جداً، ومع ذلك، فعليك أن تهجر السفينة التي ركبتها لتبحر بعيداً عن الله. ولفعل ذلك عليك أن تتوب، ثم، وبغض النظر عن وجودك في وسط البحر، فالله سينجيك. سيأمر الرياح لتتوقف وسيرسل لإنقاذك، فالهدف من الرياح ليس هو فقدانك بل عودتك، وفي حالة يونان، ها هو ما فعله الرب:

يونان 2: 1- 6
"فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِ مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ، وَقَالَ: «دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. لأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي الْعُمْقِ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ، فَأَحَاطَ بِي نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِي جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. قَدِ اكْتَنَفَتْنِي مِيَاهٌ إِلَى النَّفْسِ. أَحَاطَ بِي غَمْرٌ. الْتَفَّ عُشْبُ الْبَحْرِ بِرَأْسِي. نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ الْجِبَالِ. مَغَالِيقُ الأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى الأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ حَيَاتِي أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي."

بينما كان يونان في السفينة، كان الوثنيون يصلون، بينما كان هو نائماً، ولكنه الآن، يصلي بحرارة، متأكداً من سماع الله له، وبات يعرف الآن أن الله هو المسؤول. فيكمل يونان:

يونان 2: 7- 9
"حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِي ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِي إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ. أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ الْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ، وَأُوفِي بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ»."

ظل يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال تماماً مثلما بقي يسوع المسيح " فِي قَلْب الأَرْضِ" (متى 12: 40). ومثل الرب " وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا" (أعمال الرسل 2: 31)، كذلك أيضاً كانت حياة يونان التي " أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ" (يونان 2: 6). فكما مات الرب وأقيم من بين الأموات بعد ثلاثة ايام وثلاث ليال، أظن أن هذا أيضاً حدث مع يونان، إذ مات وعاد للحياة بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال - ف "أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ" حياته (يونان 2: 6)، "مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ [مكان الموتى]" (يونان 2: 2) - ومن ثم صارت إشارة ("آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ" (متى 12: 39)) إلى ما سيحدث مع المسيح.

يونان 2: 10
"وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ."

وفي النهاية رجع يونان من حيثما بدأ، فقد كلفه عصيانه رياح عاتية جداً. ونحن أيضاً سيجلب علينا عصياننا رياحاً، إلا أننا سنكون قد تعلمنا الدرس جيداً عند رجوعنا، كما حدث أيضاً مع يونان: ففي المرة التالية التي أمره الله فيها بالذهاب إلى نينوى، لم يغير مساره. فالرياح التي نعاني منها ليست بلا فائدة، إن كانت هناك توبة بعد العصيان فسنجد أنفسنا أناساً مختلفين بنهاية العاصفة، فلن نريد الذهاب إلى ترشيش ولن نتمرد على الله بعد ذلك لأننا لا نحب إرادته أو لأنها لم تكن متوقعة، بل سنحني رؤوسنا وسنقول "أجل يا رب لتكن مشيئتك، أنت الرب الإله."

إذاً، قذف الحوت يونان إلى البر، تخيل كم كان متعباً، وهذا هو ما نشعر به عادة بعد مثل هذه الرياح، فنكون متعبين، مرهقين وغير قادرين على فعل أي شيء، وبقدر ما يبدو هذا غريباً، فهذا على ما أظن هو الوضع الذي ينبغي أن نكون فيه - إلا أنه ليس هو المكان حيث ينبغي لنا أن نبقى. سحق إنساننا العتيق، ولم نعد قادرين على أن نقول: "أظن، وأريد... وقررت أن، أو أني ذاهب إلى ترشيش"، فالإنسان العتيق صار مكسوراً الآن، وسُحِق الكبرياء والأنانية التي تحكمه، وتلك هي المرحلة التي وجد الله يونان فيها في المرة الثانية: إذ صار الآن مستعداً لتنفيذ خطط الرب بعد تلك العاصفة وبعد سحق خططه العاصية.

3. يونان: المرة الثانية

يونان 3: 1- 3
"ثُمَّ صَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً قَائِلاً: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا الْمُنَادَاةَ الَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا». فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ الرَّبِّ."

تسبب العصيان في وجود العاصفة، وتسببت العاصفة في التوبة والتي تبعتها الطاعة، وأخيراً ذهب يونان إلى نينوى وأنذر بما أخبره الرب:

يونان 3: 3- 10
"أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً ِللهِ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. فَابْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى». فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ الأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى الرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ الْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلاً: «لاَ تَذُقِ النَّاسُ وَلاَ الْبَهَائِمُ وَلاَ الْبَقَرُ وَلاَ الْغَنَمُ شَيْئًا. لاَ تَرْعَ وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى اللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ وَعَنِ الظُّلْمِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ اللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلاَ نَهْلِكَ». فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ."

لم يكن الهدف من نبؤة يونان هي التنبؤ بسقوط نينوى، بل أراده الله أن يخبر برسالته حتى يحذر أهل نينوى مما سيحدث لهم إن لم يتوبوا، فإن لم يتوبوا في خلال أربعين يوماً سيدمروا، وبعد سماع الرسالة، "آمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ"، فنادوا بصوم، ولبسوا مسوحاً وصرخوا إلى الرب حتى يغير قراره، "فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ" (يونان 3: 10). أنا أتخيل أن الجميع كانوا سعداء بذلك، فتاب كل أهل نينوى! جميعهم كانوا سعداء ... ماعدا يونان:

يونان 4: 1
"فَغَمَّ ذلِكَ [أن الله لم يدمر نينوى] يُونَانَ غَمًّا شَدِيدًا، فَاغْتَاظَ."

السبب الذي لأجله أحبط يونان كثيراً هو لأنه لم يرى نبؤته تتحقق، لو كانت نينوى قد تدمرت وتحققت نبؤته، بالتأكيد ما كان قد شعر بأي مشكلة! لم يكن راضياً بقيامه بما اخبره الله، أي أن يذهب ويبشر ضد نينوى، بل أراد أيضاً أن يكون له دور فيما سيفعله الرب بعد وعظته. بالرجوع إلينا، هل نحن راضين عن القيام بما يخبرنا به الله أم أننا نذهب إلى أبعد من ذلك ونريد أيضاً أن يكون لنا دور في عمل الله أي فيما سيفعله الله بما أُخبِرنا أن نفعله؟ ما سيفعله الله لا يخصنا بل ما يخصنا هو أن نفعل فقط ما أخبرنا به الله أن نفعله. إن كان ما يفعله الله هو من اختصاصنا إذاً فهناك مشكلة: فإذا لم تحدث الاشياء مثلما خططنا لها، قد نشعر بالإحباط وحتى قد نغضب من الرب وكأننا نقول: "أنا غاضب من الله، أنا فعلت مثلما أخبرتني ولم يحدث شيء، لقد أخبرتك يا الله أنها قصة ضائعة، لقد فعلت الكثير لأجلك - سافرت كل هذا الطريق إلى نينوى - ثم خذلتني، من الافضل لي ألا أعيش بعد الآن." هكذا تصرف يونان وهكذا نتصرف أحياناً.

يونان 4: 2- 3
"وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذلِكَ بَادَرْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ. فَالآنَ يَا رَبُّ، خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي»."

من يطيع الله بشكل كامل ليست له أي خطط شخصية أو برنامج فيما يخص عمل الله. فهو يفعل ما أخبره الله به ويكون راضياً تماماً بذلك، ولكن يونان لم يفعل هذا، فماذا فعل الرب حيال هذا؟ تخبرنا الآيات 4 إلى 9:

يونان 4: 4- 9
"فَقَالَ الرَّبُّ: «هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ؟». وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَجَلَسَ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي الظِّلِّ، حَتَّى يَرَى مَاذَا يَحْدُثُ فِي الْمَدِينَةِ. فَأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ يَقْطِينَةً فَارْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلاُ عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا. ثُمَّ أَعَدَّ اللهُ دُودَةً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ في الْغَدِ، فَضَرَبَتِ الْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. وَحَدَثَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنَّ اللهَ أَعَدَّ رِيحًا شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونَانَ فَذَبُلَ. فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ الْمَوْتَ، وَقَالَ: «مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي». فَقَالَ اللهُ لِيُونَانَ: «هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ؟» فَقَالَ: «اغْتَظْتُ بِالصَّوَابِ حَتَّى الْمَوْتِ»."

نرى الرب لثلاث مرات يأمر الحيوانات، النباتات والرياح، ومرة أخرى، يكون يونان عاصياً، فلو لم يكن الإنسان العتيق قد كسر، سنريد أن يعتذر الله عندما لم تتحق خططنا، ثم سيتحدد إيماننا وسلوكنا بالرياح و ... النباتات. عندما لا يزال الإنسان العتيق واقفاً، سنقيم أنفسنا ضد الله، متذمرين ضده وغاضبين منه، ولكن الرب لم يترك صديقنا مثلما لا يتركنا.

يونان 4: 10 - 11
"فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى الْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلاَ رَبَّيْتَهَا، الَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟»."

معظم اهتمام يونان كان منصباً على نفسه، على نبؤته، ظله ورأسه، وعندما لا يكون شيئاً من هذا حسبما اراد، يصبح حينها غاضباً. فعندما تكون مهتماً كثيراً بنفسك لن تكون قادراً على فهم خطة الله في مجملها، لأن تركيزك سيكون دائماً على نفسك وعلى راحتك. وفقط عندما ينكسر الإنسان العتيق، ستقدر أن تفهم عظمة الله وما يفعله. وإلا ستعتبر الله خادمك بدلاً من أن تكون أنت خادمه.

يرينا سفر يونان ما فعله الله بعصيان هذا النبي، فمشاكل يونان كانت جميعها مشاكل قد نعاني منها نحن أيضاً: العصيان، الأنانية، الغضب والخطط الشخصية الموضوعة بغض النظر عن إرادة الله. كل هذه الأشياء ليست سوى منتجات الإنسان العتيق، والذي يتطلب الأمر كسره إن كنا نريد رؤية عتق الإنسان الجديد. كم هو مريح استخدام الله ليونان على الرغم من كل تقصيره. كم هو مريح عدم هجره لنا في طرقنا بل كأب يأتي ويأخذنا من حيث نكون بالخطأ ذاهبين، حتى وإن استلزم الأمر أن يأمر رياحاً عاتية في حياتنا.

عبرانيين 12: 5- 13
"وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ:«يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ. لِذلِكَ قَوِّمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ، وَاصْنَعُوا لأَرْجُلِكُمْ مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً، لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يُشْفَى."

تاسوس كيولاشوجلو