الكلمة

رجل الصبر: يوسف (PDF) PDF

رجل الصبر: يوسف



نقرأ في يعقوب 5: 10- 11

يعقوب 5: 10- 11
"خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ."

الصبر هو شيء نحتاجه وخاصة في الصعاب، كما تقول كلمة الله في (رومية 12: 12) "[كونوا] صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ"، واليوم، أود أن أدرس موضوع الصبر مستخدماً في ذلك مثال يوسف ابن يعقوب.

1. يوسف: في أرض كنعان

نقرأ في تكوين 37: 3- 11

تكوين 37: 3- 11
" وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ لأَنَّهُ ابْنُ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصًا مُلَوَّنًا. فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ. وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْمًا وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ، فَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ. فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا هذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلُمْتُ: فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَمًا فِي الْحَقْلِ، وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَانْتَصَبَتْ، فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي». فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكًا أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطًا؟» وَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ. ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي». وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟» 11فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ."

أحب يعقوب يوسف أكثر من سائر بنيه، وهذا بدورة أدى إلى حسد أخوته له، وكأن هذا لم يكن كافياً، فرأى نفسه في حلمين وكأنه حاكماً على عائلته، فزاد هذا من حسدهم. وكما سنرى لاحقاً، تسبب حسدهم هذا في المزيد من المشاكل ليوسف.

أما بخصوص منشيء هذه الأحلام، فحقيقة أن الله حققهما، كما سنرى لاحقاً - حتى وإن كان تأخر كثيراً في ذلك - (تكوين 42: 9)، يظهر أنه كان هو أيضاً من أعطاه إياهما في المقام الأول. وبرؤية المشاكل التي جلبتها تلك الأحلام ليوسف، فربما إذاً يكون السؤال التالي هو لماذا؟ لماذا أعطى الله ليوسف أحلاماً تنبؤية ستتحقق فقط بعد عدة سنوات؟ الم يكن يعرف أنها فقط ستشعل كراهية اخوته حتى إلى درجة بيعه كعبد إلى مصر؟ بالطبع كان يعرف، لا يوجد شيء غير معلوم لدى الله، لا شيء ولا أحد يقدر أن يفاجيء الله، فهو يعرف كل شيء ويرى أبعد مما نستطيع أن نرى. فالأشياء التي عاناها يوسف كانت لها أهدافها على الرغم من صعوبة رؤية أي أهداف منها في الوقت الذي حدثت فيه. وحقيقة أننا قد نخوض التجارب والضيقات لا يعني بالضرورة أننا نسير بعيداً عن إرادة وخطة الله، فكما حدث مع يوسف كذلك أيضاً يحدث معنا، فللصعاب أهدافها وأعتقد أن هذا ينطبق أيضاً على كل شيء يجلبه الرب في طريقنا. فتقول الكلمة في (رومية 8: 28) "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ"، إن كنت تحب الله، فكل الأشياء وجميعها تعمل معاً للخير، وحتى الصعاب وأيضاً الضيقات. فأنت لا تحتاج دائماً لإجابات عن تساؤلاتك حتى تمضي قدماً - كما سنرى أن أسئلة يوسف احتاجت لسنين عديدة حتى تجاب وزادت خلالها الاسئلة، فما نحتاجه إذاً هو الإيمان - فعليك أن تثق في خطط الله حتى وإن لم ترها كاملة، وكما تخبرنا بطرس الأولى 4: 19: "فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا لِخَالِق أَمِينٍ،فِي عَمَلِ الْخَيْرِ." ستكون هناك أوقاتاً حين سنعاني وسيكون هذا "بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ"، فلنستودع نفوسنا إليه كما لخالق أمين، فهو يعلم جيداً ما هو فاعله.

2. من كنعان إلى مصر

عودة إلى يوسف، فهو إن لم يكن قد تسائل على الفور عن الأسباب التي جعلت الله يعطيه تلك الآلام، فبالتأكيد فعل ذلك بعد ما حدثت. أرسله أبوه ليجد اخوته في المكان الذي كانوا يرعون فيه الغنم، ولكنهم....

تكوين 37: 18- 28
"لَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ، قَبْلَمَا اقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ، احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هُوَذَا هذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ». فَسَمِعَ رَأُوبَيْنُ وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: «لاَ نَقْتُلُهُ». وَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَيْنُ: «لاَ تَسْفِكُوا دَمًا. اِطْرَحُوهُ فِي هذِهِ الْبِئْرِ الَّتِي فِي الْبَرِّيَّةِ وَلاَ تَمُدُّوا إِلَيْهِ يَدًا». لِكَيْ يُنْقِذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ. فَكَانَ لَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ أَنَّهُمْ خَلَعُوا عَنْ يُوسُفَ قَمِيصَهُ، الْقَمِيصَ الْمُلَوَّنَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَخَذُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي الْبِئْرِ. وَأَمَّا الْبِئْرُ فَكَانَتْ فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ. ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَامًا. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَانًا وَلاَذَنًا، ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ. فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: «مَا الْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا». فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ. وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ."

دفعهم حسد اخوة يوسف إلى بيعه كعبد إلى مصر، فلنتوقف للحظة ولنضع أنفسنا محل يوسف: تخيل الأسئلة التي قد سألها لنفسه، ففي بضع لحظات انقلبت حياته رأساً على عقب؛ كان قبل ساعات في بيت أبيه الذي أحبه كثيرأً بينما هو الآن ذاهب إلى مصر كعبد مباع من قِبَل اخوته! هل تعتقد أنه فهم سبب حدوث كل هذا؟ أنا لا أظن ذلك.

ومثل يوسف، كذلك نحن أيضاً قد لا نفهم الأسباب وراء بعض الأشياء، قد نشعر بالحيرة ونكون حزانى مثل أيوب، ولكن دعوني أكرر أن " كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" (رومية 8: 28). نحن لنا نظرة - وهي محدودة جداً - إلى الحاضر والماضي فقط، ولكن الله على الجانب الآخر، لديه نظرة كاملة لكل شيء، تشمل الماضي، الحاضر والمستقبل. فنظرتنا نحن محدودة وناقصة، ولكن نظرته هو كاملة وتامة. والصلة التي تربط بين نظرتنا ونظرته الكاملة هي الإيمان، فمن خلال الإيمان، نسلم رؤيتنا الناقصة إلى رؤيته الكاملة ونستنكر أن نتبع ونتصرف فقط حسبما تقول رؤيتنا الناقصة. وعوضاً عن هذا، علينا أن نثق في نظرة من نؤمن به الذي هو الله، فحينما يجرب إيماننا، نُجَرَّب حتى نُزيل ثقتنا بالله ونضعها فيما نرى بحواسنا، فدعونا لا نحاول إجابة تساؤلات لدينا قد يكون لا جواب لها وتكون مبنية فقط على ما تراه أعيننا، فاستنتاجاتنا لن تكون صائبة، بل على العكس فلنستودع نفوسنا إليه "كَمَا لِخَالِق أَمِينٍ" (بطرس الأولى 4: 19)، فهو دائماً ما يعرف ما هو فاعل، حتى وإن كانت هناك أشياء لا نفهمها بشكل كامل في ذاك الوقت.

3. يوسف: في بيت فوطيفار ثم في السجن

بالرجوع إلى يوسف، تخبرنا الآيات 1- 6 من الإصحاح 39 عن ما حدث فيما بعد:

تكوين 39: 1- 6
" وَأَمَّا يُوسُفُ فَأُنْزِلَ إِلَى مِصْرَ، وَاشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ خَصِيُّ فِرْعَوْنَ رَئِيسُ الشُّرَطِ، رَجُلٌ مِصْرِيٌّ، مِنْ يَدِ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَنْزَلُوهُ إِلَى هُنَاكَ. وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا، وَكَانَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ الْمِصْرِيِّ. وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ. فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَخَدَمَهُ، فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. وَكَانَ مِنْ حِينِ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ، أَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ، فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ."

"وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ" هذه الفقرة لا تقول أن الرب ترك يوسف في تجربته بالبيت ثم رجع، بل كان الرب مع يوسف، وكان معه منذ البداية، كما يقول الكتاب المقدس في (عبرانيين 13: 5) "لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ"، وحيث كان ليوسف، ولك أنت أيضاً على الأغلب، معرفة بالماضي والحاضر فقط، فإن كان قد نظر إلى موقفه بعينه المادية، فلابد وأنه كان في بؤس عظيم، وربما أراد أن يتخلص من حياته، إلا أنه لم يفعل ذلك، حتى وإن كانت حياته التي كان يعيشها مختلفة تماماً عن تلك التي كان يتوقعها، بل على النقيض، عمل لدى المصري والذي دفع إلى يده كل ما كان له. وعلى الرغم من أن يوسف لم تكن لديه أجوبه لكل أسئلته، إلا أنه عاش حياته واضعاً قلبه في يد من عرف كل الأجوبة.

وبالنسبة لحياة يوسف في بيت فوطيفار، نستطيع أن نقول أن الحياة بدأت تبتسم له مرة أخرى، فقد صارت له وظيفة جيدة إذ كان مسؤولاً عن أملاك خصي فرون. وكان هذا على ما اعتقد منصباً وجيهاً بالنسبة للعديد من المصريين، ناهيك عن إنسان غريب مثل يوسف، إلا أن كل هذا تغير مرة أخرى وبشكل مفاجيء. فتخبرنا تكوين 39: 6- 20

تكوين 39: 6- 15، 19- 20
"فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي». فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟». وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا. ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُنَاكَ فِي الْبَيْتِ. فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي!». فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ. وَكَانَ لَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ، أَنَّهَا نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَكَلَّمَتهُمْ قَائِلةً: «انْظُرُوا! قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا بِرَجُل عِبْرَانِيٍّ لِيُدَاعِبَنَا! دَخَلَ إِلَيَّ لِيَضْطَجعَ مَعِي، فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ أَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ»....فَكَانَ لَمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ كَلاَمَ امْرَأَتِهِ الَّذِي كَلَّمَتْهُ بِهِ قَائِلَةً: «بِحَسَبِ هذَا الْكَلاَمِ صَنَعَ بِي عَبْدُكَ»، أَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ. فَأَخَذَ يُوسُفَ سَيِّدُهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ، الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ."

على الرغم من أن يوسف كان جيداً جداً في عمله، إلا أنه استُهدِف من قِبَل زوجة فوطيفار وانتهى الحال به في سجن فرعون. لم يكن ليرجع عن ما كان يعرفه أنه إرادة الله، إذ قال لها: "كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" كان الله هو من خافه يوسف وليس الإنسان، وعلى الرغم من أن النتيجة كانت أنه أودع السجن إلا أن الرب تبعه هناك أيضاً. فتقول لنا الآيات 20 - 23

تكوين 39: 20 - 23
"وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ لُطْفًا، وَجَعَلَ نِعْمَةً لَهُ فِي عَيْنَيْ رَئِيسِ بَيْتِ السِّجْنِ. فَدَفَعَ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ إِلَى يَدِ يُوسُفَ جَمِيعَ الأَسْرَى الَّذِينَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. وَكُلُّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُنَاكَ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ. وَلَمْ يَكُنْ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ يَنْظُرُ شَيْئًا الْبَتَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ، لأَنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَهُ، وَمَهْمَا صَنَعَ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ."

"وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ ..." وأعتقد أن نفس الشيء يحدث معك، فالرب معك، وعلى الرغم من أنك قد تكون في موقف صعب، إلا أن الرب موجود هناك. قد تكون مثل يوسف، لديك أسئلة كثيرة غير مجابة، وقد تتسائل "أين هو الله من كل هذا؟" ولكننى أعتقد أن الجواب بسيط، مختصر ومباشر وهو أنه معك.

بالرجوع إلى يوسف، صار الآن مسؤولاً عن كل السجن بعد أن كان مسؤولاً عن بيت فوطيفار. وبعد بضع الوقت، كان من ضمن السجناء اثنين من رجال فرعون وهم رئيس السقاة ورئيس الخبازين. فتخبرنا تكوين 40: 5- 8

تكوين 40: 5 - 8
"وَحَلُمَا كِلاَهُمَا حُلْمًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ حُلْمَهُ، كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ، سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَخَبَّازُهُ، الْمَحْبُوسَانِ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. فَدَخَلَ يُوسُفُ إِلَيْهِمَا فِي الصَّبَاحِ وَنَظَرَهُمَا، وَإِذَا هُمَا مُغْتَمَّانِ. فَسَأَلَ خَصِيَّيْ فِرْعَوْنَ اللَّذَيْنِ مَعَهُ فِي حَبْسِ بَيْتِ سَيِّدِهِ قَائِلاً: «لِمَاذَا وَجْهَاكُمَا مُكْمَدَّانِ الْيَوْمَ؟» فَقَالاَ لَهُ: «حَلُمْنَا حُلْمًا وَلَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ». فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: «أَلَيْسَتْ للهِ التَّعَابِيرُ؟ قُصَّا عَلَيَّ»."

" أَلَيْسَتْ للهِ التَّعَابِيرُ؟" أجل لله كل التعابير والتفاسير والأجوبة. وبهذا التشجيع بدأ السجناء يقصون أحلامهم على يوسف.

تكوين 40: 9- 15
"فَقَصَّ رَئِيسُ السُّقَاةِ حُلْمَهُ عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «كُنْتُ فِي حُلْمِي وَإِذَا كَرْمَةٌ أَمَامِي. وَفِي الْكَرْمَةِ ثَلاَثَةُ قُضْبَانٍ، وَهِيَ إِذْ أَفْرَخَتْ طَلَعَ زَهْرُهَا، وَأَنْضَجَتْ عَنَاقِيدُهَا عِنَبًا. وَكَانَتْ كَأْسُ فِرْعَوْنَ فِي يَدِي، فَأَخَذْتُ الْعِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِي كَأْسِ فِرْعَوْنَ، وَأَعْطَيْتُ الْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ». فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: «هذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ الْقُضْبَانِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ وَيَرُدُّكَ إِلَى مَقَامِكَ، فَتُعْطِي كَأْسَ فِرْعَوْنَ فِي يَدِهِ كَالْعَادَةِ الأُولَى حِينَ كُنْتَ سَاقِيَهُ. وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ، تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَانًا وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُنِي مِنْ هذَا الْبَيْتِ. 15لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَهُنَا أَيْضًا لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ»."

كان حلمي الموظفين (لم نتحدث عن حلم رئيس الخبازين) من عند الله، ولهذا السبب أعطى التفسير أيضاً، سيرجع رئيس السقاة إلى منصبه، وبمعرفة ذلك، طلب منه يوسف أن يتذكره ويذكر قضيته أمام فرعون، ثم تخبرنا الآيات 20 - 23

تكوين 40: 20- 23
"فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، يَوْمِ مِيلاَدِ فِرْعَوْنَ، أَنَّهُ صَنَعَ وَلِيمَةً لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ، وَرَفَعَ رَأْسَ رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَأْسَ رَئِيسِ الْخَبَّازِينَ بَيْنَ عَبِيدِهِ. وَرَدَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ إِلَى سَقْيِهِ، فَأَعْطَى الْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ. وَأَمَّا رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ فَعَلَّقَهُ، كَمَا عَبَّرَ لَهُمَا يُوسُفُ. وَلكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ السُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ."

حدث كل شيء تماماً مثلما قال الله من خلال يوسف، ومع ذلك، وبرغم من هذه الحقيقة وتوسلات يوسف، إلا أن رئيس السقاة نساه. من يعرف ما كان يوسف يفكر فيه، على الأغلب انتظر بآمال كبرى حتى تمضي الثلاث أيام وحتى تتحقق الأحلام، آملاً في أن يتذكره رئيس السقاة، ولكنه نساه. قد نسمي هذا إهمال، أو نكران للجميل، ولكن "مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟" كما تقول الكلمة في (مراثي إرميا 3: 37). لأنه لا يوجد شيء يحدث مصادفة بالنسبة للإنسان الذي يتبع الله، بل على العكس، " كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ"، جميعها حتى الإهمال؟ أجل، وحتى حقيقة أن يوسف قد أودع السجن بدون ارتكابه لأي ذنب؟ بالطبع. "وحتى المواقف التي اتعرض لها؟" إن كنت تحب الله، فأجل هو كذلك. كل الاشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله وحقاً أنا لا أعتقد أن مواقفي أو مواقفك مستثناة من "كُلَّ الأَشْيَاءِ".

4. يوسف: في قصر فرعون

يمر بعض الوقت ويحين دور فرعون ليرى حلماً من الله ويبحث عن تفسيره. وحينها فقط تذكر رئيس السقاة العبري الصغير، الذي قبل بضع سنين، فسر الأحلام التي حلم بها هو ورئيس الخبازين. وعلى الفور، ارسل فرعون ليوسف وأعطى الله تفسيرات الأحلام من خلاله: أنه سيكون في مصر سبع سنين شبع وستتبع بسبع سنين جوع، فكان على فرعون إذاً أن يتصرف بحكمة وأن يعين رجلاً يتأكد من أن البلاد ستستخدم المصادر الوفيرة في السبع سنين الأولى لتغطية العجز الآتي. ثم قال فرعون ليوسف:

تكوين 41: 37- 44
"فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلاً فِيهِ رُوحُ اللهِ؟» ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «بَعْدَ مَا أَعْلَمَكَ اللهُ كُلَّ هذَا، لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ. أَنْتَ تَكُونُ عَلَى بَيْتِي، وَعَلَى فَمِكَ يُقَبِّلُ جَمِيعُ شَعْبِي إِلاَّ إِنَّ الْكُرْسِيَّ أَكُونُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْكَ». ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «انْظُرْ، قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ». وَخَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ بُوصٍ، وَوَضَعَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ، وَأَرْكَبَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ الْثَّانِيَةِ، وَنَادَوْا أَمَامَهُ «ارْكَعُوا». وَجَعَلَهُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «أَنَا فِرْعَوْنُ. فَبِدُونِكَ لاَ يَرْفَعُ إِنْسَانٌ يَدَهُ وَلاَ رِجْلَهُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ»."

مثلما نُفِيَ يوسف وألقي في السجن فجأة، اصبح ثاني رجلاً في الحكم على كل مصر أيضاً فجأة! كان ثاني رجل بعد فرعون! وبقيادة يوسف، استطاعت مصر أن تخزن في السبع سنين الرخاء الأولى ما يكفي لمواجهة السبع سنين الجوع الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فبمجرد أن سمع يعقوب، أبو يوسف، عن وجود طعام في مصر، أرسل بنيه إلى هناك ليبتاعوا بعضاً منه. وتظهر لنا الإصحاحات 52 - 56 كيف رتب الله بمنتهى الجمال لاتحاد العائلة كلها في مصر.

5. يوسف: الأسباب

ما قرأناه عن يوسف وخاصة فترة التجربة، لم يستمر لشهر أو شهرين، في الحقيقة استمر الأمر ثلاثة عشر عاماً منذ الوقت الذي بيع فيه إلى مصر إلى الوقت الذي وقف فيه أمام فرعون (انظر تكوين 37: 2 وتكوين 41: 46). ويعطينا مزمور 105: 17- 22 ملخصاً عن ما حدث ليوسف وكذلك عن معناه.

مزمور 105: 17- 22
"أَرْسَلَ [الله] أَمَامَهُمْ [شعب إسرائيل] رَجُلاً. بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا. آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ، إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ. أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ الشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ. أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ، وَمُسَلَّطًا عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ، لِيَأْسُرَ رُؤَسَاءَهُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَيُعَلِّمَ مَشَايِخَهُ حِكْمَةً."

كان الله هو من أرسل يوسف إلى مصر، "أرسله"، كما قال يوسف أيضاً لاخوته بعد اتحادهم مرة أخرى:

تكوين 45: 7- 8
"فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَلِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً. فَالآنَ لَيْسَ أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ."

ومرة أخرى في تكوين 50: 19- 20
"فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرً."

بالرجوع إلى المزامير، عين الله وقتاً لـ "مَجِيءِ كَلِمَتِهِ [بخصوص يوسف]" وحتى ذلك الوقت "قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ". إذاً فما عانى منه يوسف لم يكن نتيجة سوء الحظ أو ظروف سيئة بل كانت الخطوات التي وضعها الله في خطته لأجله. كانت تلك هي اختبارات خَطَّط لها الله لكي يبني بداخله ما كان ضرورياً له للخطوة التالية. كما تقول رومية 5: 3- 5 فيما يخص الضيقات:

رومية 5: 3- 5
"وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا."

ويعقوب 1: 2- 4
"اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرً. 4وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ."

كذلك عبرانيين 10: 36
"لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ."

نحتاج إلى الصبر لعمل مشيئة الله برغم من أننا قد لا نحبه، فالصبر يُبنى بالتجارب. لا توجد طرق مختصرة هنا، ما كان في مقدور يوسف أن يذهب إلى الخطوة 3 [أن يصبح الرجل الثاني في مصر ووسيلة خلاص شعب إسرائيل] بدون المرور بالخطوة 1 [أن يُكره من قِبَل اخوته ويباع كعبد إلى مصر لبيت فوظيفار] و الخطوة 2 [ إلقائه في السجن بدون وجه حق]، كما يقول لنا مزمور 105: " فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ، 19إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ"، كان وعد الله ليوسف هو الخطوة الثالثة منذ البداية، إلا أنه لم يكن ليفعل هذا قبل الخطوتين 1 و2 أي قبل التجارب. الكثير منا يريد الذهاب إلى الخطوة 3 بدون الخطوتين 1 و2. نحن نريد القيامة قبل الصلب، نريد أن نكون تلاميذاً بدون حمل الصليب، وهذا ببساطة لا يمكن. إن كان ابن الله، الرب يسوع المسيح، "تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ" (عبرانيين 5: 8) فهل نعتقد أننا نقدر أن نتعلمها بطريقة أخرى؟ إن كان الجواب نعم، فنحن نخدع أنفسن.

التجارب هي خطوات، وجدت فقط لتأخذنا لأعلى وهي وضعت من قِبَل الله لمنفعتنا. وكما حدث مع يوسف، يحدث أيضاً معنا، فهي أدوات وضعها الله ليبني فينا ما هو لازم للخطوة التالية التي يريدنا الله أن نصل إليها. لله خطة وهدف من حياتنا وهو يريدنا أن نتمم هذا الهدف. فهل سنستسلم له؟ لا يمكن لأحد ابداً أن يصل للخطوة 3 بدون المرور أولاً بالخطوتين 1 - 2، لن يتعلم أحد الطاعة أبداً بدون التألم، لن يتعلم أحد الصبر بدون التجارب. لن يصل أحد أبداً إلى هدف الله الذي وضعه لأجله بدون السماح لله بأن يبني (ويزيل) - من خلال التجارب - ما يراه لازماً.

6. الخلاصة

أتمنى أن يكون ما سبق قد أوضح أن التجارب ليست بالضرورة أشياء خططت لضررنا، بل على العكس، بالنسبة لإنسان يحب الله "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" وهذا بالطبع يشمل التجارب والضيقات.

إذاً، فإن كان هذا هو الوقت حيث تبدو الأسئلة كثيرة جداً والأجوبة قليلة جداً، فلا تيأس. استودع قلبك عند الرب، فهو يعرف ما هو فاعل وما يفعله هو بالطبع للصالح ولأجل مجده.

تاسوس كيولاشوجلو