الكلمة

جدعون: دراسة للكتاب المقدس (قضاة 6 و 7) (PDF) هذا المقال على نسخة PDF

جدعون: دراسة للكتاب المقدس (قضاة 6 و 7)



الكتاب المقدس، وخاصة العهد القديم، مليء بالأحداث الكاملة التي تُظهِر لنا الطريقة التي عمل بها الله مع العديد من الناس. أحد هؤلاء كان جدعون. هذه المقالة هي دراسة للكتاب المقدس حول حياته.

جدعون: الخلفية (قضاة 6: 1- 10).

فيما يتعلق بالوقت الذي جرت فيه أحداث قصتنا، فنحن في فترة حُكْم القضاة لإسرائيل. وكان آخر القضاة قبل جدعون هي دبورة، إمرأة الله والتي في أثناء حكمها "اسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً"(قضاة 5: 31). ومع ذلك، فهذه الاستراحة لم تستمر إلى الأبد. قضاة 6: 1- 6 تقول لنا:

قضاة 6: 1- 6
" وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ. فَاعْتَزَّتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ. وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ، يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا. لأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَجِيئُونَ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ، وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِكَيْ يُخْرِبُوهَا. فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ."

بعد اربعين عاماً من الاستراحة، واجهت إسرائيل ظلماً عظيماً من قِبَل المديانيين. كما يقول لنا الكتاب المقدس، أنهم قاموا بتدمير أراضيهم لدرجة أنهم " َلاَ يَتْرُكُونَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا" لهم (قضاة 6: 4). ومع ذلك فكل تلك الأحداث لم تحدث مصادفة. قضاة 6: 1 تعطينا السبب:

قضاة 6: 1
" وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ"

" عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" . كان هذا هو سبب ذلهم1، ومع ذلك، فقد كان لهذا نتيجة إيجابية. ففي الواقع تقول لنا قضاة 6: 6:

" فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَ[كنتيجة لهذا الذل] صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ."

صرخ بنو إسرائيل إلى الرب بسبب ذلهم. ومرة أخرى، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسلكون فيها هكذا. حقيقة، أنه بالرغم من صنعهم للشر في عيني الرب لمرات عديدة، عابدين آلهة غيره، كانوا يتوجهوا باحثين عن الإله الحقيقي عندما تقع عليهم المصائب2. قضاة 6: 7- 10 تقول لنا كيف استجاب الله لصراخهم:

قضاة 6: 6- 10
" فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ. وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلاً نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُمْ: "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي"."

كاستجابة لصراخ بني إسرائيل، أرسل لهم الله رسولاً بكلمته، موبخهم على أفعالهم التي قد عملوها. ومع ذلك، فقد كانت تلك فقط البداية. في الفصول التالية، سنرى ما فعله الله أيضاً.

جدعون: البداية (قضاة 6: 11- 35)

بعدما أرسل الله رسولاً مُوَبِخَاً إسرائيل، فكانت خطوته الثانية هي التواصل مع رجل يُدعى جدعون. تقول لنا قضاة 6: 11- 12 :

قضاة 6: 11- 12
" وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ. وَابْنُهُ جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِكَيْ يُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: "الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ"."

عندما نقرأ أن ملاكاً ظهر لجدعون، دعونا لا نتخيل كائناً أشقراً لابساً ردءاً أبيضاً مرفرفاً في الهواء بجناحين أبيضين كبيرين. الملاك الذي يشبه هذه الصورة ليس شيئاً غير الأساطير والتخيلات. وفي الواقع، فالكتاب المقدس لا يذكر ابداً أن الملاك له أجنحة أو يلبس أبيض أو أنهم شقر. ما يقوله الكتاب المقدس هو أنهم " أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!." (العبرانيين 1: 14).

عودة إلى موضوعنا، انظر كيف أن الله، من خلال ملائكته، حيَّا جدعون. لقد دعاه بالـ" جَبَّارَ الْبَأْسِ" . وفي كل الأحوال كان جدعون فقط رجلاً فقيراً يخبط الحنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين. ومع ذلك، فبالنسبة لله، كان رجلاً جبار البأس، وكما سنرى أنه رجلاً آمن بالله وتبعه، مُنفذاً كل ما أمره به بمنتهى الطاعة. الآيات التي تلت ذلك تعطينا جواب جدعون لموقف الملاك:

قضاة 6: 13- 14
" فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: "أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ". فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: "اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟""

سأله جدعون كيف أن رب كان معهم ويصيبهم كل هذا؟ ومع ذلك، فلم يكن الله هو من تركهم، وإنما هم من تركوا الله. وكجواب لسؤال جدعون، قال له الله أن يتقدم، مؤكداً له أنه سيكون مُخَلِّص إسرائيل. قال له " أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟". كان بالفعل الله هو من أرسله. لم تكن هذه المهمة من اختلاق جدعون. لقد كان هناك يخبط الحنطة لكي يهربها من المديانيين! و تعطينا قضاة 6: 15- 16 رد جدعون:

قضاة 6: 15- 16
" فَقَالَ لَهُ: "أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي". فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: "إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ"."

ينقاد الناس بسهولة وراء شخص ذو موقع قيادي مثل ملك أو جنرال. ولكن من سيتبع جدعون؟ لقد كان شخصاً غير معروف. ومع ذلك، أكد الله له مرة أخرى أنه سيكون معه. فقد قال الله " إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ". لذلك لم تكن لجدعون أي أسباب حقيقية ليخاف. ولكن جدعون كان لايزال يشعر بالشك:

قضاة 6: 17- 24
" فَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي. لاَ تَبْرَحْ مِنْ ههُنَا حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُخْرِجَ تَقْدِمَتِي وَأَضَعَهَا أَمَامَكَ". فَقَالَ: "إِنِّي أَبْقَى حَتَّى تَرْجعَ". فَدَخَلَ جِدْعُونُ وَعَمِلَ جَدْيَ مِعْزًى وَإِيفَةَ دَقِيق فَطِيرًا. أَمَّا اللَّحْمُ فَوَضَعَهُ فِي سَلّ، وَأَمَّا الْمَرَقُ فَوَضَعَهُ فِي قِدْرٍ، وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ إِلَى تَحْتِ الْبُطْمَةِ وَقَدَّمَهَا. فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ اللهِ: "خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْمَرَقَ". فَفَعَلَ كَذلِكَ. فَمَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَذَهَبَ مَلاَكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ. فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، فَقَالَ جِدْعُونُ: "آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَلاَكَ الرَّبِّ وَجْهًا لِوَجْهٍ." فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: "السَّلاَمُ لَكَ. لاَ تَخَفْ. لاَ تَمُوتُ". فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَاهُ "يَهْوَهَ شَلُومَ". إِلَى هذَا الْيَوْمِ لَمْ يَزَلْ فِي عَفْرَةِ الأَبِيعَزَرِيِّينَ." [يهوة شلوم تعني: الرب سلام]

تلك هي المرة الأولى التي نقرأ فيها أن جدعون طلب علامة من الله وحصل عليها. ومع ذلك، فلم تكن تلك هي المرة الوحيدة. فسنرى الكثير كلما قرأنا . ومن ضمنها علامة جزة الصوف . سوف نحتفظ بالإطراء حول العلامات التي طلبها جدعون وعموماً حول ممارسة طلب العلامات، لما بعد. وللوقت الحالي، يكفينا القول بأنه قبل طلب العلامة، علم جدعون إرادة الله بخصوص الموقف. إنه لم يطلب العلامة لكي يعلم إرادة الله من خلالها، ولكنه عوضاً عن ذلك، طلبها من أجل أن يؤكد ما قد أخبره به الله، والتي كانت إذاً إرادة الله. بتوسل جدعون، استجاب الله بشكل إيجابي، وأعطاه ما طلبه.

الاتصال بين الله وجدعون أُكمِلَ حتى المساء أيضاً. قضاة 6: 25- 27 تقول لنا:

" وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: "خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَثَوْرًا ثَانِيًا ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ، وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى رَأْسِ هذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ، وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلاً."

قال الله لجدعون أن يهدم مذبح البعل ويقطع السارية التي عنده. فوجود المذبح والسارية وكذلك ردود أفعال الناس الذين غضبوا -كما سنقرأ فيما بعد- عند رؤيتهم لهذه الأشياء مُدَمَّرة (أنظر قضاة 6: 28- 30) تؤكد أن عبادة الأوثان كانت هي الشر الذي صنعه بنو إسرائيل في عيني الرب. وتُظهِر أيضاً عدم رجوع كل إسرائيل للرب باحثة عنه، وإنما جزء منهم. ومع ذلك، فبسبب الجزء الذي عاد إليه، سيُخلص الله الأمة كلها.

وبعد أن رأينا كيف ظهر الله لجدعون، بعد صراخ بني إسرائيل إليه، وكيف أعلن له أنه سيكون مُخلص إسرائيل، دعونا نكمل الآن لنرى ما حدث بعد ذلك:

قضاة 6: 33- 35
" وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ. وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ، فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ. وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ."

اجتمع أعداء إسرائيل، " الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ" جميعاً في مكان واحد. في هذا الوقت، دفع الله جدعون لإرسال رسلاً ليقوموا بدعوة الأسباط لكي يجتمعوا خلفه. لاحظ أن الله هو من حرَّك جدعون لكي يصل إلى قرار بدء المعركة في هذا التوقيت، دافعاً إياه لدعوة الناس. ومرة أخرى، فهذا يظهر أن الله كان هو مخطط المعركة بينما كان جدعون هو منفذ خطة الله. لو لم يقل الله لجدعون ما يفعل، لم يستطيع أن يعرف إرادة الله وما سيعمله. وإن لم يكن جدعون مؤمناً بكلام الله وبالخطوات التي قالها له، حتى ينفذها، ما تمت إرادة الله. إذاً، فنجاح العملية كلها كان معتمداً على التعاون بين الله، الآمر، وجدعون المنفذ لخطة الله. لم يكن جدعون هو من قرر ونفذ بل الله هو من قرر وكان جدعون هو من نفذ. هذا المبدأ هو نفسه بالنسبة لنا، ففي أي وقت نريد أن نتبع إرادة الله: فالله هو من عليه أن يظهر لنا إرادته- وقد قام بهذا من خلال كلمته المكتوبة أو بالإعلان- ونحن من علينا أن نتبع هذه الإرادة.

جدعون وجزة الصوف (قضاة 6: 36- 40)

بعدما اجتمع شعب إسرائيل خلف جدعون، طلب من الله علامة مرة أخرى. تقول لنا قضاة 6: 36- 38

قضاة 6: 36- 40
" وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: "إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، فَهَا إِنِّي وَاضِعٌ جَزَّةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ، فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى الْجَزَّةِ وَحْدَهَا، وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ". وَكَانَ كَذلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَزَّةَ وَعَصَرَ طَلاًّ مِنَ الْجَزَّةِ، مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. فَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: "لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَزَّةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ". فَفَعَلَ اللهُ كَذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ."

فالفقرة السابقة، والتي تصف ما يعرف باسم واقعة "جزة جدعون"، لم تُفهم بالشكل الصحيح للأسف، إذ أن العديد من الناس استخدموها للتأكيد على ممارسة معرفة إرادة الله من خلال العلامات . لذلك، فهناك البعض الذين يقومون بتحديد إرادة الله عن طريق إلقاء القطع المعدنية. والبعض يحددونها من خلال فتح الكتاب المقدس وقراءة أي صفحة بشكل عشوائي وآخرين يحددونها من خلال طرق مماثلة. ومع ذلك، فوجود أي علاقة بين مثل هذه الممارسات و بين "جزة جدعون" خاطيء جداً. والسبب هو أن جدعون لم يبحث عن تحديد إرادة الله من خلال علامة الجزة. ولكنه بوضعه لجزة الصوف، أراد التأكيد على أن ما كان يعلمه مسبقاً - عن طريق الإعلان- هو إرادة الله. وحقيقة، فقضاة 6: 36 تقول لنا:" وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: "إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، ........ ". وجملة " كَمَا تَكَلَّمْتَ" تظهر أن جدعون كان يعرف إرادة الله من قبل. ومن ثم، فهو لم يطلب علامة لكي يحدد إرادة الله بواسطتها. ولكنه عوضاً عن ذلك، قد طلبها للتأكيد على إرادة الله التي كان يعلمها مسبقاً. ، ولابد من ملاحظة شيء آخر بالنسبة للعلامات، وهي أن كلمة الله لم تجبر الله في أي من مواضعها على أن يعطينا علامة، عندما يكون قد أظهر لنا بالفعل إرادته من خلال كلمته المكتوبة أو عن طريق الإعلان. عندما لا نعرف إرادة الله، نحاول أن نكتشفها. نحن ندرس الكتاب المقدس ثم نصلي لله لكي يكشفها لنا، إذا لم يكن قد أعلنها في الكتاب المقدس. لا يجب علينا أن نضع قيوداً على الله أو نفرض سلفاً الوقت ونوع إجابة الله. فالكتاب المقدس لا يجبر الله على أن يعطينا الجواب الذي نفضله ولا أن يعطينا الجواب عندما نريد أن يتم إعطاءه لنا. ولكن الله بمحبته ورعايته ملزم بأن يعطينا الجواب الأفضل في الوقت الذي يراه مناسباً. وبالنسبة لممارسة طلب العلامات، فما نستطيع قوله بخصوص الثقة المبنية على كلمة الله، هو أن الله بالتأكيد سيقوم بمساعدتنا في اتباع إرادته (بالطبع إذا كنا نريد اتباعها). ومع ذلك، لا يستطيع احد أن يقيده في الطريقة التي سيقوم بمساعدتنا بها. سيقوم بعمل ما يراه الأفضل. عندما يريد الله شيئاً، سيدعمه الله إلى أقصى حد، حتى إن كان هذا يعني أن يجعل الجزة تجف بينما الأرض المحيطة لا تزال رطبة، أو لإعطاء فقرة داعمة عند ..... فتح الكتاب المقدس على صفحة عشوائية أو القيام بأي شيء آخر لازم لجعلنا نؤمن ونعمل مشيئته. لا أحد يقول أن الله لا يستخدم العلامات ليساعدنا على اتباع إرادته. ومع ذلك، فعندما تُعطَى هذه العلامات، فهى لا تُعطَى كبديل عن الكتاب المقدس وإنما كطريقة تأييد لكي نؤمن بمشيئة الله المعلنة- من خلال الكتاب المقدس أو الإعلان.

ولمناقشة موضوع العلامات بشكل أعمق، فأنا أؤمن أن العلامة الكبرى حول ما إذا كان الشيء آتياً من الله أو لا هي الطريقة التي تجري بها أحداثها. فكل شيء آتياً من عند الله يجري بطريقة بحيث يكون متوافقاً مع كلمة الله. كما تقول لنا المزامير 10: 22:

المزامير 10: 22
" بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا."

وكما تقول لنا أيضاً أفسس 3: 20 عن الله:

" وَ[هو ] الْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ "

وإضافة إلى ذلك تضيف يعقوب 1: 16- 17:

" لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ."

كل شيء آتياً من الله هو عطية كاملة. ويكون أكثر مما نطلب أو نفتكر. لا يوجد به حزن. إنه مثالي على المدى القصير والمدى المتوسط والمدى البعيد. على نقيض ما هو آت من الشيطان، عاجلاً أم آجلاً سينتهي بعكس هذه النتيجة تماماً، أي بالدموع والأوجاع والجراح3. هذا لا يعني على الإطلاق أنه إذا كان شيئاً له علاقة بالاضهاد فقد لا يكون آتياً من الله. فالكلمة واضحة في (يوحنا 16: 33) حيث تقول: " فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ" . ومع ذلك، فحتى في الضيق فستكون لدينا راحة وشجاعة الله اللذان يرافقان هؤلاء الذين يتبعونه. ولن يقدر أحد أن ينزعهما.

جدعون: هزيمة المديانيين (قضاة 7)

عودة إلى جدعون، فلقد تقوى بعد معجزة جزة الصوف. ومع ذلك، فلم يكن وقت المعركة قد حان بعد. وفي الواقع، فبعدما اجتمع بني إسرائيل وراءه وبالرغم من حقيقة مواجهتهم لجيش ضخم، اوحى الله لجدعون بأن يقلل جيشه! تقول لنا قضاة 7: 1- 2:

" فَبَكَّرَ يَرُبَّعْلُ، أَيْ جِدْعُونُ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَنَزَلُوا عَلَى عَيْنِ حَرُودَ. وَكَانَ جَيْشُ الْمِدْيَانِيِّينَ شِمَالِيَّهُمْ عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ فِي الْوَادِي. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: "إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي."

أراد الله أن يُظهِر لإسرائيل أنه هو الإله، الإله القادر على أن يُخَلِّص بغض النظر عن حجم العدو. لذلك قد أمر جدعون بتقليل الجيش. قضاة 7: 3- 8 تقول لنا:

" وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلاً: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ". فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: "لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ. وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا يَذْهَبُ مَعَكَ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ. وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا لاَ يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ لاَ يَذْهَبُ". فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: "كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ". وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل. وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: "بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ". فَأَخَذَ الشَّعْبُ زَادًا بِيَدِهِمْ مَعَ أَبْوَاقِهِمْ. وَأَرْسَلَ سَائِرَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ، وَأَمْسَكَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ. وَكَانَتْ مَحَلَّةُ الْمِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي."

وأخيراً، بعد اختيار الله، تبقَّى فقط 300 رجل. وسيهزم الله من خلالهم جيش المديانيين العظيم وحلفائهم. وحقيقة أن المعركة ستنتهي بانتصار بني إسرائيل رغم الفرق الكبير في العدد، فقد كان متأكداً تماماً من قول الله له. فكما قال له: " بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ.... أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ" (قضاة 7: 7). كان محتوم إذاً، أنه إذا آمن جدعون واتبع إرشادات الله، سيكون النصر لإسرائيل في المعركة، لأن الله قد وعد بهذا. ومع ذلك، فلم يؤكد الله النصر في المعركة فقط وإنما أيضاً ساعد جدعون على الإيمان بهذا الوعد والمضي قدماً. قضاة 7: 9- 14 تقول لنا:

قضاة 7: 9- 14
" وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: "قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ. وَإِنْ كُنْتَ خَائِفًا مِنَ النُّزُولِ، فَانْزِلْ أَنْتَ وَفُورَةُ غُلاَمُكَ إِلَى الْمَحَلَّةِ، وَتَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، وَبَعْدُ تَتَشَدَّدُ يَدَاكَ وَتَنْزِلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ". فَنَزَلَ هُوَ وَفُورَةُ غُلاَمُهُ إِلَى آخِرِ الْمُتَجَهِّزِينَ الَّذِينَ فِي الْمَحَلَّةِ. وَكَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَكُلُّ بَنِي الْمَشْرِقِ حَالِّينَ فِي الْوَادِي كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ، وَجِمَالُهُمْ لاَ عَدَدَ لَهَا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. وَجَاءَ جِدْعُونُ فَإِذَا رَجُلٌ يُخَبِّرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: "هُوَذَا قَدْ حَلُمْتُ حُلْمًا، وَإِذَا رَغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ فِي مَحَلَّةِ الْمِدْيَانِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى الْخَيْمَةِ وَضَرَبَهَا فَسَقَطَتْ، وَقَلَبَهَا إِلَى فَوْق فَسَقَطَتِ الْخَيْمَةُ". فَأَجَابَ صَاحِبُهُ وَقَالَ: "لَيْسَ ذلِكَ إِلأَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ الْجَيْشِ"."

الله لم يعلم جدعون بإرادته فقط وإنما أيضاً ساعده مرة بعد مرة لتصديقها. وانظر الطريقة الرائعة التي استخدمها ليفعل هذا: أرسله إلى معسكر الأعداء ليسمع بأذنه واحداً منهم يصف نصر بني إسرائيل على المديانيين!!! ونتيجة هذه المساعدة موجودة بالآية 15. حيث نقرأ:

قضاة 7: 15
" وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ خَبَرَ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرَهُ، أَنَّهُ سَجَدَ وَرَجَعَ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: "قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّينَ"."

وبمجرد أن سمع جدعون الحلم وتفسيره، أصبح متأكداً من أن الرب قد دفع بجيش المديانيين إلى يده.

قضاة 7: 16- 22
" وَقَسَمَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ إِلَى ثَلاَثِ فِرَق، وَجَعَلَ أَبْوَاقًا فِي أَيْدِيهِمْ كُلِّهِمْ، وَجِرَارًا فَارِغَةً وَمَصَابِيحَ فِي وَسَطِ الْجِرَارِ. وَقَالَ لَهُمُ: "انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ، فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هكَذَا تَفْعَلُونَ. وَمَتَى ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي، فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ، وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ". فَجَاءَ جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي أَوَّلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ، فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ، وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَضْرِبُوا بِهَا، وَصَرَخُوا: "سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ". وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ، وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ."

وباتباع جدعون لخطة جريئة وذهابه ليحارب جيش عظيم فقط بثلاثمئة رجل، مسلحين بـ ......... جرار فارغة ومصابيح وأبواق، استطاع أخيراً أن يهزم هذا الجيش العظيم. والآن، إذا سأل سائل عن لماذا قرر أن يذهب لمحاربة المديانيين مستخدماً تلك الوسائل، والجواب الواضح هو أن الله أخبره بهذا. وفي الواقع، فكما نتذكر، أن الله هو من قال له أنه سيخلص إسرائيل. وكان الله أيضاً هو من أخبره بأن يجمع بني إسرائيل للحرب وكان هو من اختار ثلاثمئة رجل من بني إسرائيل للمعركة. وكان هو من قال لجدعون أن يتبع الخطة التي تم اتباعها ذلك الليل. وكانت النتيجة هي الانتصار الكبير لبني إسرائيل. وكما تقول الفقرة:" وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ". الآيات 23- 25 تعطينا الجزء الأخير من هذا النصر العظيم الذي كان لبني إسرائيل:

قضاة 7: 23- 25
" فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ. فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: "انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ". فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ. وَأَمْسَكُوا أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا، وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَأَمَّا ذِئْبٌ فَقَتَلُوهُ فِي مِعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَتَوْا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ."

وكما نرى، فقد شارك الإسرائيليون الآخرون أيضاً في المرحلة الأخيرة من المعركة. تعطينا الآية 28 من الإصحاح الثامن مقدار النصر والخلاص الذين أعطاهما الله لإسرائيل على يد جدعون:

قضاة 8: 28
" وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ. وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ."

عندما صنع بني إسرائيل الشر في عيني الرب وتخلوا عنه عابدين آلهة زائفة، كانت النتيجة هي الابتلاء والفقر العظيم. ومع ذلك، فعندما رجعوا وطلبوا خلاصه، ارسل لهم الرسول الذي وبخهم بكلمة الله. وبالإضافة إلى ذلك، رفع جدعون ليصبح قائدهم. وبالرغم من أنه كان فقيراً ولا يعرفه أحد، كان مستعداً أن ينفذ إرادة الله ، والله بدوره ساعده بكل الطرق الممكنة للقيام بمهمة خلاص إسرائيل. وكانت النتيجة هي الخلاص العظيم لبني إسرائيل واستراحة لكل السنين التي عاشها جدعون. وبالطبع تبارك جدعون كثيراً. كما تقول لنا قضاة 8: 29- 32:

قضاة 8: 29- 32
" وَذَهَبَ يَرُبَّعْلُ بْنُ يُوآشَ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ. وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَدًا خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ. وَسُرِّيَّتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضًا ابْنًا فَسَمَّاهُ أَبِيمَالِكَ. وَمَاتَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ، وَدُفِنَ فِي قَبْرِ يُوآشَ أَبِيهِ فِي عَفْرَةِ أَبِيعَزَرَ."

عاش جدعون حياة طويلة هادئة، ولم تكن هناك حاجة لتخبئة القمح من العدو وإنما العيش مع عائلته في سلام.

جدعون: النتيجة

إذاً نستخلص أن: الانفصال عن الله يجلب فقط الظلم والمصائب. ومع ذلك، حتى وإن حدث هذا، فالله موجود دائماً ومستعد أن يغفر ويخلص كل إنسان يرجع إليه.

وبعيداً عن ذلك، فهناك شيء آخر نتعلمه من التسجيلات التي قرأناها وهي أنه عندما يريد الله شيئاً فهو مستعد أن يساعدنا على تنفيذ هذا الشيء. وبخصوص العلامات، فعندما تأتي من عند الله لابد وأن تكون متوافقة مع كلمة الله، وتدعم إرادة الله المعلنة مسبقاً. الله قد أعطانا كلمته وتجليات روحه ليُعلمنا بإرادته. والآن إذا أردنا المساعدة، فبالتأكيد سنحصل على ما نحتاجه منها. أنا لا أعرف كيف ستأتي هذه المساعدة. ولكنني على كل حال أعرف أنها ستأتي بالفعل وأنها ستكون كافية لدعمنا طول الطريق، تماماً كما كانت كافية لجدعون.

تاسوس كيولاشوجلو

 



الحواشي

1. للأسف، ليس هذا هو الموضع الأول حيث يتم ذكر جملة " وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" في الكتاب المقدس. فهناك العديد منها (أنظر كمثال على ذلك، قضاة 2: 11- 15 4: 1- 2، 10: 6، 13: 1، ملوك الأولى 11: 6، نحميا 9: 28) وهذه إضافة تظهر لنا أن الشر الذي صنعته إسرائيل كان عبادة الأوثان والإهمال المتكرر لله. وكذلك، فكنظرة لهذه التسجيلات توضح أن هذا الشر كان دائماً ما يتبع بالدمار والمصائب والظلم.

2. وكمثال أنظر قضاة 3: 7- 9، 3: 12- 15، 4: 3، 10: 10، نحميا 9: 28.

3. يستطيع الشيطان أيضاً أن يعطي علامات، ولكنها علامات زائفة تهدف إلى أن تقودنا للوقوع في أشراكه. لذلك يجب علينا أن نكون حريصين جداً تجاه هذه العلامات. ومرشدنا ليست العلامات وإنما كلمة الله. فكل شيء يكون متوافق مع كلمة الله فهو آت من الله. وأي شيء ضد كلمته فهو من الشيطان. فالعلامات تكون صحيحة فقط عندما تدعم موقفاً تكون أحداثه متناغمة تماماً مع الكلمة. وإلا تكون لا أساس لها من الصحة.