الكلمة

العدو، المعركة والمنتصرين (PDF) PDF

العدو، المعركة والمنتصرين



أنا أظن أن القليلين جداً يحبون أن يسمعوا عن الحروب والأعداء، إلا أن جميعنا سنتفق على أن أسوأ شيء يمكن عمله عند تواجدها هو تجاهلها والعيش على وهم عدم وجودها المفترض. تشير كلمة الله إلى عدو يدعى الشيطان وإلى معركة دائرة ضده، هذا بالإضافة إلى أنها لا تقترح بأي حال من الأحوال تجاهل هذا العدو وأساليبه، وحقاً تقول كورنثوس الثانية 2: 10- 11:

كورنثوس الثانية 2: 10- 11
"لِئَلاَّ يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ."

إن اقترح أحد تجاهل الشيطان وأفكاره، فليس ذلك بالتأكيد هو الإله الواحد الحق، لأننا بالنسبة له "لسنا جهلاء". ومن هنا، سنحاول فيما يلي دراسة بعض ما تقوله كلمة الله عن عدونا، عن الحرب وكيفية تحملها.

1. القوتين

تتضح حقيقة وجود قوتين متضادتين عاملتين من كولوسي 1: 12- 14 حيث تتحدث عن المسيحيين قائلة:

كولوسي 1: 13- 14
"[الله] الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ"

وقال يسوع المسيح أيضاً في أعمال الرسل 26: 17- 18متحدثاً إلى بولس عن مهمته:

أعمال الرسل 26: 17- 18
"مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ."

وأيضاً في أفسس 5: 8 متحدثة عنا مرة أخرى قائلة لنا:

أفسس 5: 8
"لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ."

كما يتضح من هذه الفقرات، أننا كنا قبلا " ظُلْمَةً" (أفسس 5: 8) وتحت " سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ" (أعمال الرسل 26: 17) إلا أننا انتقلنا " مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ" (أعمال الرسل 26: 17) عندما سمعنا كلمة الله بخصوص يسوع المسيح وآمنا بها. أعطي لنا في افسس 2: 1- 9 ملخصاً لكل من حالتنا القديمة والجديدة، فنقرأ:

أفسس 2: 1- 3
"وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا"

هذا حقاً وضع سيء جداً، إلا أنه ليس وضعنا الحالي، حيث نقرأ عن الأخير:

أفسس 2: 4- 9
"اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ ­ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ ­ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ."

كلنا كنا يوماً تحت سلطان وتأثير الروح " الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ" أي الشيطان، جميعنا كنا يوماً في ظلام دامس، ولكننا آمنا بالرب يسوع المسيح وبقيامته، فخلصنا هذا الإيمان (رومية 10: 9). وعلى الرغم من أننا كنا أمواتاً بالخطايا، إلا أن الله أحيانا وأقامنا مع المسيح، ومع ذلك، أين كل هؤلاء الذين لم يؤمنوا بعد؟ إنهم هناك، حيث اعتدنا أن نكون، أي في الظلمة وتحت سلطان الشيطان، كما تقول كورنثوس الثانية 4: 3- 4

كورنثوس الثانية 4: 3- 4
"وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ."

من هو إله هذا العصر الذي يعمي الناس حتى لا يرون نور بشارة مجد المسيح؟ من الواضح أنه نفس الشيء الذي أعمانا أيضاً، وهو الشيطان.

من ناحية أخرى، تقول تيموثاوس الثانية 2: 25- 26
"مُؤَدِّبًا بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ."

لقد اعتدنا أن نكون في هذا الوضع أيضاً ولكننا لم نعد كذلك، لقد خلصنا من قبل الله وانتقلنا " مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ"، زكه ذلك، فهذا لا يعني أننا لم نعد نتعامل مع الشيطان، إذ أن الله والشيطان أعداء بعضهم لبعض، هناك حرب بينهما ومعركة علينا أن نخوضها.

2. المعركة

المعركة التي نتحدث عنها مذكورة في أفسس 6: 10- 18 حيث نقرأ بدءاً من الآيات 10- 12

أفسس 6: 10- 12
"أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ."

كما هو واضح، هناك صراع ومعركة دائرة بيننا وبين الشيطان ومعسكره، فهي ليست معركة مع لحم ودم أي بشر، ولكنها مع رؤساء وسلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر وأجناد الشر الروحية في السماويات. ولحسن الحظ، لم نُترك بلا حماية في هذه الحرب الروحية، حيث وفر لنا الله درع كامل الذي إن لبسناه سنستطيع أن نحارب بنجاح، تعطينا الآيات 13- 18 وصفاً مفصلاً له:

أفسس 6: 13- 18
"مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ"

لاحظ أن السلاح ليس لنا، بل هو " سِلاَحَ اللهِ"، إنه شيء أتاحه لنا ليمكننا من خوض المعركة الروحية بنجاح، إذاً فما علينا فعله ليس أن نصنع السلاح بل ببساطة علينا أن نتناوله، إن فعلنا هذا، لنا الوعد القائل: " لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا.".

للمزيد من المعلومات حول المعركة الروحية وخصوصاً حول الأسلحة التي أعطانا الله إياها لخوضها موجودة في كورنثوس الثانية 10: 3- 5، فتقول:

كورنثوس الثانية 10: 3- 5
"لأَنَّنَا وَإِنْ كنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ. إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ"

أُخبِرنا مرة أخرى بحرب، ليست حرب جسدية وأسلحتها ليست أسلحة جسدية، فإن لم تكن هذه الحرب جسدية فذلك يعني أنها روحية أي أنها الحرب المذكورة في أفسس 6، حيث نقرأ عن سلاح كامل أعطانا الله إياه للباسه ومقاومة حيل الشيطان، فنتعلم هنا أن الأسلحة التي أعطانا الله إياها لأجل هذه الحرب الروحية ليست جسدية " بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ".

لذلك، بطريقة أو بأخرى نستخلص من الفقرات السابقة أن هناك معركة ليست جسدية بل روحية، تلك حقيقة لا يمكن أن تتغير، إنها حقيقة أعلنها الله في كلمته لأجل منفعتنا، إنها الحقيقة سواء أعجبتنا أم لا، سواء خضنا المعركة ام لا، فحقيقة وجود حرب لا يمكن أن تتغير، الشيء الوحيد المعتمد علينا هو نتيجة المعركة، فإما أن نتجاهلها ولا نلبس سلاح الله فيلتهمنا العدو (بطرس الأولى 5: 8- 9)، أو أن نلبس سلاح الله ونقاوم العدو وفي هذه الحالة سنقدر أن نقاوم بنجاح.

3. الاضطهاد، الضيقات والخلاص

بعدما رأينا الحرب الروحية التي علينا أن نخوضها، فلنمضي قدماً الآن ونرى بعض الأشياء التي قد تتضمنها هذه المعركة عملياً، لأنه من الواضح أنه بما أننا في معركة مع الشيطان فقد يتضمن هذا بعض الأفعال من جانبه، فنقرأ بدءاً من يوحنا 15: 18- 21

يوحنا 15: 18- 21
"«[يسوع متحدثاً إلى التلاميذ] إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ. اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ. لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي."

كما هو واضح، فأن تكون "في العالم" هو شيء وأن تكون "من العالم" هو شيء آخر. وهذا يتضح من حقيقة أنه على الرغم من وصف التلاميذ ووصفنا نحن أيضاً في يوحنا 17: 11 بأنهم " فِي الْعَالَمِ "، إلا أنه قيل لنا هنا أننا لسنا " مِنَ الْعَالَمِ "، والفرق شاسع حقاً لأن هؤلاء الذين "من العالم" لهم رئيس يختلف كثيراً عن هؤلاء الذين ليسوا "من العالم" أي نحن، من هو الذي يرأس هؤلاء الذين "من العالم"؟ نستطيع أن نعرف هذا من يوحنا 14: 30 حيث قال1 يسوع متحدثاً إلى تلاميذه:

يوحنا 14: 30
"لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ."

وكذلك تقول يوحنا الأولى 5: 19
"نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ."

نحن المسيحيون من الله، فهو رئيسنا وربنا، إلا أنه ليس " رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ"، بل على العكس، كما تقول الفقرة أن العالم كله قد وُضِعَ في الشرير أي الشيطان " إِلهُ هذَا الدَّهْرِ" المذكور في كورنثوس الثانية 4: 3 و" رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ" المذكور في يوحنا 14: 30. لهذا السبب حذرنا يسوع المسيح من اضطهاد العالم. فحفظ كلمته بعض الناس الذين في العالم وتبعوه، وأنكرها آخرون واضطهدوه، هذا هو الحال اليوم أيضاً، سيسمع البعض، مثلنا، كلمة الله، سيؤمنون بها وسينتقلون "مِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ"، بينما سينكرها الآخرون وقد يضطهدوننا2. إلا أن اضطهادنا لا يعني أن نفقد شجاعتنا، كما قال يسوع في يوحنا 16: 33:

يوحنا 16: 33
"قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ»."

أخبرنا يسوع المسيح بكل وضوح أنه سيكون لنا ضيق في هذا العالم، إلا أنه لم يتوقف عند هذا الحد بل شجعنا حتى نثق لأنه قد غلب العالم، وليس هذا فحسب، بل هو الذي غلب العالم موجود فينا الآن، فتخبرنا كولوسي 1: 27:

كولوسي 1: 27
"الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ."

كذلك تقول كورنثوس الثانية 13: 5 في صيغة سؤال:

"أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ؟"

المسيح الذي غلب العالم، هو فيك الآن، كما تقول يوحنا الأولى 4: 4

يوحنا الأولى 4: 4
"أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ."

الذي فيكم أعظم من الذي في العالم، الشيطان. بالطبع سيكون هناك اضطهاد وضيق، فالكلمة واضحة جداً في هذا الشأن، إلا أنها لن تتوقف هناك، ولكن سيكون هناك أيضاً خلاص من الرب، كما قال بولس في تيموثاوس الثانية 3: 10- 12 معطياً شهادته الشخصية:

تيموثاوس الثانية 3: 10- 12
"وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي، وَاضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي، مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ. أَيَّةَ اضْطِهَادَاتٍ احْتَمَلْتُ! وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي الرَّبُّ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ."

من الذي يقول أننا لن نواجه اضطهاداً لأننا مسيحيين؟ ليست هذا هو كلام الله بالطبع، لأن ها هو أمام أعيننا يقول: "وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ"، فلا نحزن إذاً لو حدث وتعرضنا للاضطهاد، لأن الاضطهاد يواجهه فقط هؤلاء السائرون مع الله و" يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ"، هذا بالطبع لا يعني أن كل ما سيكون لنا في الحياة هو الاضطهاد. تحمل بولس ضيقاً كبيراً واضطهادات كثيرة، ولكن كما يقول: " وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي الرَّبُّ". فالاضطهاد هو وجه العملة والخلاص من الرب هو الوجه الآخر، كما شهد بولس مرة أخرى في بعض الآيات اللاحقة:

تيموثاوس الثانية 4: 16- 18
"فِي احْتِجَاجِي الأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ الْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ. وَلكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي الْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ الأُمَمِ، فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ الأَسَدِ. وَسَيُنْقِذُنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَل رَدِيءٍ وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ. الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ."

الطبيعي هو أن تقف العائلة معك وكل كنيسة الله3 وأن تقف أنت معهم جميعاً، ولكن مع الآسف قد لا يحدث هذا كما توضح الكلمة، إذ أن الأمر يعتمد على سير كل عضو من أعضاء العائلة، سواء كان يسير بالروح (الطبيعة الجديدة) أو بالجسد (الطبيعة القديمة)، وفي حالتنا هذه، انفض الجميع من حول بولس. رجل عمل جاهداً من أجل الله، خادماً شعبه، مقوياً إياهم ومعلناً لهم كلمة الله، خُذِل من الجميع ما عدا واحد، الرب الذي كان هو الوحيد الذي وقف معه، وحقاً إنه الوحيد الذي يجب أن نثق في وقوفه معنا بإخلاص كما وعد في عبرانيين 13: 5- 6

عبرانيين 13: 5- 6
"«لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ» حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ:«الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟»"

قد يتخلى عنك الجميع، قد يتركك الكل إلا أن الرب لن يتركك أبداً بل سيخلصك دائماً إن تمسكت به، كما قال بولس بشجاعة: "18وَسَيُنْقِذُنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَل رَدِيءٍ وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ"، وكذلك كما نقرأ في رومية 8: 35- 36:

رومية 8: 35- 36
"مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا."

هل تقول الفقرة السابقة أنه لن يكون هناك ضيق؟ كلا، ما تقوله هو أنه سيعظم انتصارنا في الضيق، و سيحدث نفس الشيء في الجوع والعري والخطر والسيف ... إلخ. من يقول أن كل هذا لن يحدث لأننا مسيحيين؟ ليست هي الكلمة بالطبع، لأن ما تقوله الكلمة هو " فِي هذِهِ جَمِيعِهَا [والتي تعني أنها ستأتي في طريقنا] يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا."

لإنهاء هذا المقال إذاً، هناك حرب روحية علينا خوضها، ونحن لم نُترَك بلا حماية في هذه الحرب بل لنا سلاح الله أو أسلحة الله الروحية. كذلك، نحن لنا إله أعظم من أي أحد وهو متخصص في الخلاص وإخراجنا من أشراك وضيقات العدو. لو أن رئيس هذا العالم تسبب لك في ضيقات، فلا تتعجب، فهذا قطعاً طبيعي وهو يعني أن مملكته لديها مشكلة معك، كن مخلصاً لله في الشدائد لأن بطرس الثانية 2: 9 تقول: "9يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ "4.

تاسوس كيولاشوجلو

 



الحواشي

1. أنظر أيضاً يوحنا 12: 31، 16: 11.

2. يجب الإشارة هنا إلى أن الاضطهاد قد لا يأتي فقط من العالم بل أيضاً من الناس الذين على الرغم من كونهم لله إلا أنهم يستمرون في السير حسب الجسد (الطبيعة القديمة)، وأعمالهم مذكورة بالتفصيل في غلاطية 5: 19- 21.

3. يتحدث بولس هنا إلى شعب الكنيسة، لم يكن العالم معه أبداً حتى يتركه.

4. بالمقارنة بين تيموثاوس الثانية 3: 2 مع بطرس الثانية 2: 9، تتكون لدينا صورة واضحة فيما يخص اضطهاد الأنقياء، ومن ثم، تخبرنا تيموثاوس الثانية 3: 12 "وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ" تلك هي وظيفة الشيطان: الاضطهاد، ومن ناحية أخرى، تقول لنا بطرس الثانية 2: 9: "يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ" وتلك هي وظيفة الله: الإنقاذ.