الكلمة

أعمال الرسل 16: 6- 40 (PDF) هذا المقال على نسخة PDF

أعمال الرسل 16: 6- 40



سفر أعمال الرسل هو كتاب عملي جداً يوضح حياة الكنيسة الأولى كما يوضح الطريق الذي سلكه رجال الله أمثال بولس وبطرس... وغيرهم ممن كانوا معه ، ومن ثم إعطائنا مثالاً عملياً. مثل هذا المثال تم تسجيله في أعمال الرسل 16، وهو الإصحاح الذي تم تخصيصه لزيارة بولس إلى أهل فيليبي.

1. أعمال الرسل 16: 6- 10: قرار الزيارة

نبدأ بحثنا من أعمال الرسل 16: 6- 8، فنقرأ:

أعمال الرسل 16: 6- 8
" وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ، فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ. فَمَرُّوا عَلَى مِيسِيَّا وَانْحَدَرُوا إِلَى تَرُوَاسَ."

إن رجعت إلى الخريطة، ستجد أن ما ذُكِرَ هنا في سطرين كان حقاً رحلة طويلة. ففريجية وغلاطية وآسيا (الصغرى) كانت ثلاث مناطق تلت كل واحدة الأخرى. فبولس ومن كانوا معه، اجتازوا أول منطقتين (فريجية وغلاطية) ثم أتوا إلى المنطقة الثالثة التي هي آسيا الصغرى. ومع هذا، فكما تقول الآية، أن الله أو الروح القدس، منعهم من أن يتكلموا بالكلمة هناك، ومن ثم أتوا إلى ميسيا شمالاً، ثم عندما حاولوا الذهاب إلى بِثِينِيَّةَ، منعهم الرب مرة أخرى. ونتيجة لذلك، مروا بميسيا وانحدروا إلى تَرُوَاسَ على بحر إيجة.

وكما يتضح مما سبق، ففيليبي لم تكن هي المكان الذي كان بولس وسيلا ينويان الذهاب إليه. وفي الحقيقة فلقد حاولا مرتين الذهاب إلى أماكن أخرى، ولكن الله منعهم من هذا. والسبب في منعهم من القيام بهذا لم يكن أنه لم يرغب في أن تتم الكرازة بكلمته في هذه الأماكن، بل الحقيقة هي أن بولس قد ذهب إلى آسيا الصغرى فيما بعد كما تقول لنا أعمال الرسل 19: 10:" وَكَانَ ذلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا، مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ." ومع ذلك، فجميعنا يعرف أنه من المستحيل أن يتواجد الإنسان في مكانين مختلفين في وقت واحد. أو بمعنى آخر، من المستحيل أن تتم الكرازة بالكلمة عن طريق نفس الشخص في كل من آسيا او بِثِينِيَّةَ وفي فيليبي معاً في نفس الوقت. لابد وأن تأتي واحدة ثم تليها الأخرى. وكما يبدو، فمن وجهة نظر الله، كان لفيليبي واليونان الأولوية عن آسيا و بِثِينِيَّةَ. ومن هذا نستطيع أن نستنتج أن الله لم يكن مهتماً فقط بالكرازة، وإنما أيضاً بالكرازة بكلمته أينما يريد وكما يريد ووقتما يريد. كما تقول لنا أفسس 5: 23:

"الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ"

فللكنيسة رئيس، وهو الشخص الذي يجب الرجوع إليه في كل ما يخصها. وهذا ليس أنا ولا أنت ولا أي إنسان بشري وإنما هو المسيح. وبالنسبة للوضع هنا، فما أراده الرئيس حقاً مدون في الآيات 9- 10:

أعمال الرسل 16: 9- 10
" وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ:"اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!". فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ."

الله لم يدعهم يبشرون بكلمته في آسية بِثِينِيَّةَ في ذلك الوقت بالتحديد، ولكنه قد دعاهم للتبشير بكلمته في مكدونية وأخيراً في كل الجانب الشرقي من اليونان. كيف عرفت هذا؟ الرب عرفهم هذا من خلال رؤيا الليل. ولقد أعلمهم هذا بمثل تلك الطريقة حتى أنهم تجمعوا وهم متحققين بدون أدنى شك في أن الله كان يقودهم إلى أن يذهبوا إلى هناك. ومع ذلك، فهل تعتقد أن الله كان ليفعل هذا إن لم يكونوا مستعدين أن يتحركوا إلى حيثما أرادهم أن يذهبوا؟ أنا لا أظن ذلك. الله لن يجبر أحداً على العمل في مجال يخصه، ومع ذلك، فإن أراد أحد العمل من أجله- وهو الشيء الذي ينتظره منا - لا ينبغي له أن يقرر الطريقة التي يسلكها من أجل القيام بهذا الأمر أوالوقت والمكان الذي سوف يتحرك فيه، ولكنه يجب عليه أن يستشير سيده المسؤول عن أخذ القرار في هذه الأمور.

2. أعمال الرسل 16: 11- 40 : الزيارة إلى فيليبي ونتائجها

وبأخذ الأمر الصريح من الله في الإبحار إلى مكدونية، غادر بولس ورفاقه على الفور. الآيات 11- 12 تقول لنا:

أعمال الرسل 16: 11- 12
" فَأَقْلَعْنَا مِنْ تَرُوَاسَ وَتَوَجَّهْنَا بِالاسْتِقَامَةِ إِلَى سَامُوثْرَاكِي، وَفِي الْغَدِ إِلَى نِيَابُولِيسَ. وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى فِيلِبِّي، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ مِنْ مُقَاطَعَةِ مَكِدُونِيَّةَ، وَهِيَ كُولُونِيَّةُ. فَأَقَمْنَا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ أَيَّامًا."

الله قد أخبرهم أن يذهبوا إلى مكدونية. فلم يتوقفوا إذاً للكرازة بالكلمة في ساموثراكي، ولكنهم توجهوا مباشرة إلى فيليبي، وهي أول مدينة من مقاطعة مكدونية. وهناك، حدث العديد من الاشياء التي سنناقشها فيما يلي.

2. 1 ليدية: أول من آمن في أوروبا

بدءاً من الآيات 13- 15 نقرأ:

أعمال الرسل 16: 13- 15
" وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ، حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ، فَجَلَسْنَا وَكُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اجْتَمَعْنَ. فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ، بَيَّاعَةُ أُرْجُوَانٍ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا، مُتَعَبِّدَةٌ للهِ، فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا طَلَبَتْ قَائِلَةً: "إِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَكَمْتُمْ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِالرَّبِّ، فَادْخُلُوابَيْتِي وَامْكُثُو". فَأَلْزَمَتْنَا."

هل تعبدت ليدية لله؟ أجل، هذا ما تقوله الفقرة. ومع ذلك فهل نالت الخلاص؟ كلا، هذا لأنها لم تعرف الرب يسوع المسيح. ومن ثم، فلقد كانت مثل كورنيليوس، كان رجلاً متديناً، يخاف الله هو وكل أهل بيته وكان يتصدق بالمال بمنتهى الكرم. و دائماً ما كان يصلي لله (أعمال الرسل 10: 2). ومع ذلك فلقد احتاج إلى بطرس لكي يقول له الكلمات، كما قال له الملاك، والتي بواستطها خلص هو وأهل بيته (أعمال الرسل 11: 14). وبالمثل، فلقد تعبدت ليدية لله. ومع ذلك فلقد احتاجت إلى من يأتي إليها ويحدثها عن يسوع المسيح، حتى تستطيع أن تؤمن وتَخلُص. و هذا بالضبط ما حدث: الله أتي ببولس كل هذه المسافة من سيليسيا لكي يخبرها بكلمة الله. ولقد صدقته وجُعِلت المؤمنة الأولى التي تم تسجيلها على المكان الأول بأوروبا. ومع ذلك، فقد كانت هذه مجرد البداية.

2. 2 جارية بها روح.

تقول لنا الآيات 16- 18:

الآيات 16: 16- 18
" وَحَدَثَ بَيْنَمَا كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَنَّ جَارِيَةً بِهَا رُوحُ عِرَافَةٍ اسْتَقْبَلَتْنَا. وَكَانَتْ تُكْسِبُ مَوَالِيَهَا مَكْسَبًا كَثِيرًا بِعِرَافَتِهَا. هذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا وَصَرَخَتْ قَائِلَةً:"هؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ، الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ". وَكَانَتْ تَفْعَلُ هذَا أَيَّامًا كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ:"أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا!". فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ."

كان من الواضح أن الجارية بها روح عرافة والذي من خلالها، بدا وكأنه يعلن عن ما كان يفعله بولس ومن معه هناك. وللوهلة الأولى، قد يبدو لنا أن الشيطان يدعم عمل الرب!! ولكن، هل من الممكن أن يحدث هذا؟ أنا لا أظن ذلك. كما قال بولس للعلِّيم، وهو رجل آخر مملوك من الشيطان:

أعمال الرسل 13: 9- 10
" وَأَمَّا شَاوُلُ، الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا، فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ وَقَالَ:"أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَاعَدُوَّ كُلِّ بِرّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟"

ما يبحث عنه الشيطان باستمرار هو منع طرق الرب الصالحة. ومن ثم، فالسبب الوحيد الذي من أجله بدا وكأنه يعلن - من خلال هذه الفتاة- نفس الشيء الذي كان يقوم به بولس، هو أنه أراد أن يمنع طرق الرب الصالحة. إنه ليس من الصعب أن نفهم كيف خطط للقيام بهذا. فقط تخيل كم تلوثت الكلمة التي كان يبشر بها بولس بسبب الموافقة الظاهرية التي جاءت في الإعلان الذي نطقت به الجارية المملوكة من قِبل الروح. ولم تكن بالنسبة للسكان المحليين، سوى متحدثة بلسان الإله اليوناني أبولو. نحن نعرف هذا من النص اليوناني القديم والذي لا يقول أن الجارية كانت عليها روح عرافة، ولكن كان بها روح "بايثون". كما تقول لنا زودهياتيس :

"كان "بايثون" هو الاسم اليوناني للأفعى الأسطورية أو التنين الذي عاش في بايثون أسفل جبل برناسوس وقام بحراسة الوحي الدلفي. ثم أصبح الأسم بعد ذلك هو الأسم الأول لابوللو، إله الشعر في الاسطورة اليونانية، ومن ثم اُطلِق على كل أرواح العرافة والتنبؤ."

من الواضح، أن المحليين اعتبروا أن هذه الفتاة كانت واحدة من هؤلاء الذين تحدث أبوللو من خلالهم، ولهذا السبب قال النص أنها كانت بها روح بايثون. بالإضافة إلى ذلك، فإلهها الأعلى، والذي كان المحليين مخدوعين بانه كذلك، لم يكن هو الإله الحقيقي أبو الرب يسوع المسيح ، ولكنه كان ... زيوس. أصبح من السهل الآن أن نفهم اي إفساد قد أتت به إلى تبشير بولس وأن هذا ما اراد الخصم أن يفعله من خلالها، لم يكن أن يعلن وإنما أن يمنع طرق الرب الصالحة. ولحسن الحظ، لم ينجح في تحقيق أهدافه.

حقاً تقول لنا أعمال الرسل 16: 18:
" وَكَانَتْ تَفْعَلُ هذَا أَيَّامًا كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ:"أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا!". فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ."

علم بولس من خلال تمييز الأرواح (كورنثوس الأولى 12: 10) أن من تحدث من خلال هذه الجارية كان روحاً شريرة. ولهذا السبب قام بتوجيه الكلام إليها بشكل مباشر جداً، آمراً إياها أن تخرج، فخرجت على الفور.

2. 3 صحبة السجن التي كانت في وقت متأخر من الليل

للاسف، لم يسعد الجميع بخلاص الجارية. فقد كان أسيادها يجنون أموالاً كثيرة من الأعمال الزائفة للروح الشريرة التي امتلكت هذه الفتاة، وعندما رأوا أن أملهم في مكاسبهم قد تلاشت:

أعمال الرسل 16: 19- 24
" فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ، أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ. وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ، قَالُوا:"هذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا، وَهُمَا يَهُودِيَّانِ، وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا، إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ". فَقَامَ الْجَمْعُ مَعًا عَلَيْهِمَا، وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً وَأَلْقُوهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَوْصَوْا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هذِهِ، أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ."

بعد مثل هذه المحنة، قد يبدا بعضنا بالشكوى لله، ويلومونه على ما حدث. ومع ذلك، فالتذمر ليس هو ما توصينا به الكلمة أن نفعله في المناسبة المشابهة. ولكن في الواقع، تقول لنا بطرس الأولى 4: 16:

بطرس الأولى 4: 16
" وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ."

وهذا بالضبط ما قام به بولس وسيلا:

أعمال الرسل 16: 25
" وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا."

بعيداً عن حقيقة أن الرجلين الذين تم تعذيبهما بقسوة كانا يصليان ويغنيان لله، لاحظ أيضاً أن كل المساجين كانوا يستمعون إليهما. كلمة "يسمعونهم" في هذه الفقرة، هي ترجمة للفعل اليوناني "إيباكروماي" والتي لا تعني "أن يسمع" وإنما " أن ينصت منتبهاً إلى ما يقال" . أنظر ايضاً ما حدث:

أعمال الرسل 16: 26
" فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ، فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا، وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. "

لكي ندرك أهمية الحدث السابق، دعونا لدقيقة نضع أنفسنا مكان أحد هؤلاء السجناء. فدعونا نفرض إذاً أنك في السجن تستمع بانتباه خاص إلى رجلين تم تعذيبهما بوحشية وهم يمجدان الله، وفجأة يحدت زلزال يؤدي إلى ..... فك قيودك وفتح جميع ابواب السجن. ألن تقوم هذه الظاهرة بإحداث علامة في حياتك إلى الأبد وتصبح كافية لتجعلك تزور إله بولس وسيلا ولو زيارة قصيرة؟ أنا أظن ذلك. وفي الحقيقة دعونا نري رد الفعل الفوري لأحد الرجال الذين كانوا هناك في تلك الليلة:

أعمال الرسل 16: 27- 30
" وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ، وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً، اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، ظَانًّا أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:"لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئًا رَدِيًّا! لأَنَّ جَمِيعَنَا ههُنَا!". فَطَلَبَ ضَوْءًا وَانْدَفَعَ إِلَى دَاخِل، وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ:"يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟""

كيف كان هذا الرجل متأكداً من أن بولس وسيلا كانا قادرين على إعطاءه الجواب الصحيح لمثل هذا السؤال الصعب؟ الجواب هو لأنه سمعهما يمجدان الله ورأى كيف أن الله اجابهما من خلال الزلزال وما تبعه. لقد كان مقتنعاً إذاً بأن بولس وسيلا كانا يمثلان الله. ولهذا كان سؤاله الأول لهما هو ماذا يفعل لكي يخلص. كان يعلم أن لديهما الجواب السليم. دعونا الآن نرى جواب بولس وسيلا:

أعمال الرسل 16: 31
" فَقَالاَ:"آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ"."

حقيقة، أنا لا أعرف كم من الناس اليوم يعيشون بالاستقامة من أجل الخلاص كما كان بولس وسيلا. " آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ". هذا حقاً كل ما نحتاجه. ان تؤمن أنك خلصت ولا تؤمن أنك لن تخلص. كما تقول لنا أيضاً رومية 10: 9 :

رومية 10: 9
" لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ."

كم هذا بسيطاً! عودة إلى حارس السجن، فبعدما أعطياه بولس وسيلا الجواب الذي كان يحتاجه، أكملا تعليمه أكثر فقالا:

أعمال الرسل 16: 32- 33
" وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ. فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ."

أنظر الوقت الذي حدث فيه كل هذا. لقد حدث بعد منتصف الليل، لأن هذا قد كان في منتصف الليل عندما كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله (الآية 25). بعد منتصف الليل إذاً، كانت لبولس وسيلا وحارس السجن وكل أهل بيته صحبة رائعة خلصت فيها أنفس عديدة وفرحت في الرب!! من في الحقيقة يستطيع أن يتخيل أن هذا يمكن أن يحدث؟ ومع ذلك فهو مذكور في هذا الكتاب المقدس. ومع ذلك، هل كان من الممكن أن يحدث هذا إذا كان بولس وسيلا عوضاً عن تمجيدهما لله، أخذا في التذمر له بسبب ما هما فيه؟ كلا. لقد مجدَّا الله في مشاكلهما، معلمين كلمة الله للمساجين الآخرين من خلال تمجيدهما لله وصلاتهما له. الله دعم كلمته بعلامة هائلة والتي كانت لها حقاً وقعاً كبيراً على الجميع. وفي الحقيقة، فقد آمن حارس السجن وكل أهل بيته في تلك الليلة، وكانت لهم صحبة عظيمة مع بولس وسيلا بعد منتصف الليل!! حقاً يا لها من نعمة هي قراءة مثل تلك الأحداث. ومن المؤكد أن هذا كان بركة وشفاءاً لبولس وسيلا بعد العذاب الذي لقياه. ومع ذلك، فالبركات لم تتوقف عند ذلك. ففي اليوم التالي:

أعمال الرسل 16: 35- 40
" وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ أَرْسَلَ الْوُلاَةُ الْجَّلاَدِينَ قَائِلِينَ: "أَطْلِقْ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ". فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ بِهذا الكَلاَّمِ أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا، فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ. فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: "ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ. أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَ". فَأَخْبَرَ الْجَّلاَدُونَ الْوُلاَةَ بِهذَا الْكَلاَمِ، فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ. فَجَاءُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِمَا وَأَخْرَجُوهُمَا، وَسَأَلُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْمَدِينَةِ. فَخَرَجَا مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ، فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ ثُمَّ خَرَجَا."

في نهاية اليوم، كان الولاة هم من ذُلوا وليس بولس وسيلا. في الحقيقة، لقد تضرعوا إلى بولس وسيلا لكي يخرجوا من المدينة. ومع ذلك، فلقد نجحا في تأسيس كنيسة هناك. هذه الكنيسة، مثلها مثل العديد من الكنائس الأخرى في اليونان، لم تكن لتنشأ أبداً إن لم يخضع بولس ومن معه لإرادة الله في الذهاب إلى مكدونية بل تصرفا وفقاً لرغباتهم. ومع ذلك، فحقيقة أنهم أطاعوا إرادة الله، لم يعني أنهم لم يعانوا من الاضطهاد، ولكن الله حول الاضطهاد إلى خير والذي من خلاله خلصت أنفس عديدة، ونمت الكنيسة في ذلك المكان وأعطت خلاصاً عظيماً وشجاعة لشعبه.

تاسوس كيولاشوجلو

 



الحواشي

1. أنظر لوقا 10: 2

2. أنظر: Spiros Zodhiates, The complete word study dictionary, AMG publishers, 1992, p.1253

3. حتى ذلك الوقت لم يتكلم أحد مع المحليين بشأنه.

4. أنظر: Dimitrakos: Lexicon of all the Greek language, p. 2,688 (in Greek).